30 مارس/أذار 2025 (عدن)
في اليمن، يُحوّل تغير المناخ بعض المناطق إلى أماكن غير صالحة للسكن. فعندما يُنزح الناس، تتغير حياتهم بين عشية وضحاها، وتنقلب رأساً على عقب. حيث يُجبرون على العيش في الخطوط الأمامية داخل مجتمعات ضعيفة، نتيجة تعرضهم لتأثيرات غير متكافئة جراء المناخ المتغير. وعلى الرغم من أن مجتمعات الخطوط الامامية وأولهم النازحين بما في ذلك والنساء، والأطفال، والمهمشين، وذوي الاحتياجات الخاصة، غالبًا ما تكون الأقل مساهمة في تفاقم ازمة المناخ، إلا أنها الأكثر تضررًا من آثارها المستمرة والتراكمية.
خلصت دراسة ميدانية صادرة عن مؤسسة حلم أخضر للدراسات والاستشارات البيئية، حول النزوح المناخي، بعنوان “تحت رحمة المناخ: تأثير تغير المناخ على النازحين في اليمن”، إلى أن الظواهر المناخية المتطرفة التي شهدها اليمن خلال الفترة (2020-2024)، دفعت أكثر من نصف النازحين داخلياً إلى اعتماد استراتيجيات وتدابير تكيّف غير قادرة على التكيف مع تغيرات المناخ. في ظل ضعف الاستجابة والافتقار لبرامج التكيف من قبل الجهات الفاعلة.
تتناول هذه الدراسة التي أعدها فريق من الباحثين، في ستة فصول، التأثيرات المناخية المباشرة على النازحين داخلياً. وتكشف عن الآثار التراكمية والمُضاعفة للمناخ المتغير على هذه المجتمعات؛ مع التركيز على حالة النازحين داخليا في 26 مخيماً في محافظات مأرب، حجة، المهرة، وسقطرى.
تكمن أهمية هذه الدراسة في كونها تعد من أوائل الأبحاث التي تناقش موضوع أثر التغيرات المناخية على النازحين داخلياً في اليمن. حيث أنه -بحسب المؤلفين- لم تكتب من قبل أبحاث شاملة حول تأثير المناخ المتغير على النازحين في اليمن بشكل عام. ولم يتم إجراء دراسات حالة لتأثيرات المناخ على النازحين في مأرب وحجة والمهرة وسقطرى؛ وآثار النزوح المناخي في هذه المناطق على وجه التحديد.
كما تتجسد أهمية هذه الدراسة في أهمية موضوعها. مما يجعل هذه الدراسة إضافة نوعية جديدة، تفيد صانعي السياسات والجهات الفاعلة لزيادة فهم تأثير تغير المناخ على مجتمعات النزوح الداخلي في البلاد، والعوامل المساهمة في تفاقمه.
موجـز النتائج:
أثرت تغيرات المناخ وتقلباتها الشديدة في اليمن على حوالي 1,6 مليون نازح داخل المخيمات، من أصل 4,6 مليون نازح داخلي في كافة محافظات البلاد، وهددت استقرارهم. وقد تسبب ذلك بتضرر المخيمات، وأثر على سبل العيش وفقدان مصادر الدخل للنازحين على نطاق واسع. حيث قلصت الظواهر المناخية المتطرفة من توفر الخدمات الأساسية في مجتمعات النزوح والمجتمعات المضيفة لها.
وأظهرت نتائج الدراسة، تعرض النازحين في محافظات مأرب وحجة والمهرة وسقطرى لظواهر التغيرات المناخية في 26 مخيماً من مواقع النزوح المشمولة بالدراسة، حيث أكدت الغالبية العظمى بنسبة 99.2% من النازحين المستجيبين، أنهم شهدوا بشكل كبير تغيرات للطقس والمناخ في مواقع نزوحهم.
دوافــع النزوح
كشفت النتائج الميدانية للدراسة، أن حوالي 13.9% من حركة النزوح في اليمن والتي تركزت في محافظات حجة والمهرة وسقطرى، كانت بشكل أساسي بسبب التغيرات المناخية في مناطقهم الأصلية. ومن بين هؤلاء النازحين بسبب تغيرات المناخ، نزح حوالي 10.2% منهم بسبب السيول والفيضانات المفاجئة والانهيارات الأرضية، والتي أدت إلى تدمير المساكن وتضرر الممتلكات في قراهم ومناطقهم الأصلية. في حين نزح 3.7% آخرون بسبب الجفاف وندرة المياه في مناطقهم الأصلية، مما أدى إلى تضرر مصادر الدخل، وتعطيل سبل العيش التي يعتمدون عليها مثل الزراعة والرعي والأنشطة الاقتصادية الأخرى.
في المقابل، كان الدافع الرئيسي للنزوح لدى حوالي 86.1% من النازحين الذين شملتهم الدراسة، هو نتيجة للصراع وحالة عدم الاستقرار، والتي تركزت لدى مجتمع النزوح بمحافظة مأرب، حيث نزحوا في المقام الأول نتيجة للحرب والصراع.
وتوضح نتائج مجموعات النقاش المركزة التي عقدها فريق حلم أخضر للدراسات البيئية مع مجتمعات النزوح، كجزء من هذه الدراسة، أن توالي الكوارث المناخية بشكل سنوي وضعف الاستجابة لها، زاد من مفاقمة المصاعب التي يعاني منها النازحون، مما أجبرهم على تحمل عمليات نزوح متعددة، سواء داخل المواقع والمناطق التي يقيمون فيها، أو النزوح إلى مديريات ومحافظات أخرى. فالغالبية العظمى من النازحين يسكنون في مخيمات أنشأت بشكل عشوائي، وتفتقر التخطيط للطوارئ. حيث حوالي 40% من مواقع هذه المخيمات معرضة لمجرى السيول والفيضانات.
ولعل ما يزيد من خطورة زعزعة استقرارهم، هو أن غالبية مخيمات النازحين، شيدت على أراضي معظمها غير مملوكة للدولة، بل يملكها أفراد من المجتمع المضيف. ولا توجد عقود ايجار مكتوبة لهذه المخيمات. الأمر الذي يولد مشكلة النزاع على الأراضي وزيادة التوترات الاجتماعية. وفي مجموعات النقاش المركزة، أفاد الكثير من النازحين أن حصولهم على خيام جديدة (كالطرابيل) عادة ما يستغرق سنتان إلى 3 سنوات من قبل الجهات الفاعلة (السلطات المحلية والمنظمات الإنسانية). مما يجعلهم تحت وطأة المخاطر المناخية وتقلباتها المستمرة. وبالتالي استمرار حركة النزوح المناخي، واستدامة الازمة.
التأثيرات المناخية المباشرة على النازحين
أظهرت النتائج أن حوالي 94.3% من النازحين المستجيبين في محافظات مأرب وحجة والمهرة وسقطرى، قد عانوا بالفعل من مجموعة واسعة من التأثيرات المباشرة المرتبطة بتغير المناخ داخل مخيماتهم المؤقتة. فعلى مستوى المحافظات، كشفت الدراسة أن النازحين في المناطق الشرقية، وتحديداً محافظتي المهرة وسقطرى، هم الأكثر تضررا، حيث أبلغ 100% منهم عن هذه الآثار. في مأرب وحجة، بلغت نسب النازحين المتضررين 95.5% و90% على التوالي.
ويعزى هذا الاختلاف النسبي إلى استمرار الظواهر الجوية المتطرفة المتتالية في المناطق الشرقية (المهرة سقطرى)، على سبيل المثال: خلال الفترة (2015-2023) تعرضت اليمن لثمانية أعاصير وعواصف شديدة، مقارنة بعاصفة استوائية واحدة فقط خلال السنوات التي سبقتها بالفترة (2007-2014).
التهديدات المناخية المباشرة الأكثر إلحاحاً، والتي فرضتها تغيرات الطقس وتقلباتها المستمرة، على مجتمعات النزوح الداخلي في البلاد بما في ذلك محافظات مأرب، حجة، المهرة، وسقطرى، تركزت في العواصف الشديدة الممطرة مثل العواصف الرعدية (والتي أثرت على 96.7% من النازحين)، وتغيرات الأمطار الغزيرة (التي أثرت على 93.1% من النازحين)، وثالثاُ: الفيضانات المفاجئة (التي أثرت على 75.1%). إن تأثيرات هذه المخاطر المناخية تستلزم اتخاذ استراتيجيات تكيف فعّالة من قِبَل السلطات ومنظمات الإغاثة. ترتبط تداعيات هذه التأثيرات بارتفاع أعداد الضحايا وتفاقم الخسائر في اليمن على أساس سنوي.
يتوجب على الجهات الفاعلة، إدراك الضعف المتزايد لمجتمعات الخطوط الأمامية في اليمن، والمعرضة بشكل غير متكافئ لتأثيرات تغير المناخ. وهذا بالتالي يؤدي إلى تفاقم أزمة النزوح المناخي، ويخلق حلقة مفرغة من الصدمات المناخية والدمار البيئي داخل هذه المجتمعات.
الآثار المناخية التراكمية والمضاعفة على النازحين
أظهرت النتائج، أن نقص الغذاء وصعوبة الحصول على المساعدات الإغاثية يؤثر على 81.2% من النازحين داخليا، وهو من الاثار التراكمية لتغيرات المناخ، والتي تفاقمت جراء العواصف المطيرة والفيضانات المفاجئة التي تدمر الإمدادات. أدى ضعف الاستعدادات لحالات الطوارئ المناخية، وعدم كفاية الاستجابة الإنسانية، إلى إبقاء الغالبية العظمى من مواقع النزوح في حالة نقص في الخدمات. حيث أن عدد المواقع التي تغطيها الجهات الفاعلة وتحصل على مساعدات اغاثية من السلطات المحلية والمنظمات غير الحكومية الدولية، لا تتعدى حوالي 720 موقعاً فقط، من اجمالي 2,284 موقعاً في كافة أرجاء البلاد. مما يعكس محدودية الاستجابة الإنسانية طيلة عقد كامل، وحجم تلبية الاحتياجات لمجتمعات النازحين.
وبينت الدراسة، أن الظواهر المناخية المتطرفة، وتحديداً العواصف الشديدة الممطرة والفيضانات، تسببت في تدمير الملاجئ وفقدان المأوى، وقد تأثر بها حوالي 74.3% من النازحين المستجيبين. ويعزى ذلك إلى شدة التغيرات من أعاصير وعواصف ممطرة وما نتج عنها من فيضانات عارمة في المناطق الشرقية (المهرة وسقطرى)، وفي مأرب وحجة. ومع عشوائية مواقع النزوح وقربها من مجرى السيول، ولكونها مخيمات من الطرابيل أو البلاستيك، فإنها تصبح سريعة التأثر بالأمطار والرياح والسيول، ويسهل تدميرها.
في مجموعات النقاش البؤرية التي أجريت مع مجتمعات النزوح، ذكر قادة وأعضاء النزوح في مخيمات مأرب، أن 6,500 خيمة دمُرت بالكامل بسبب الفيضانات خلال الفترة (2020-2023). وتضررت آلاف الخيام جزئيا. بالإضافة إلى ذلك، تضرر 175 مخيما وموقعا بشكل كلي بسبب الفيضانات المفاجئة في العام 2024. وفي محافظة حجة، تضرر 91 مخيما للنازحين بشدة بسبب الفيضانات، حيث تدمرت 3,160 خيمة بالكامل، وتضررت 2,869 خيمة جزئيا على مدى السنوات الأربع الماضية. أما في محافظة المهرة، لا يزال قرابة 2500 نازح داخليا معرضين بشكل مباشر لخطر الفيضانات في مواقع عشوائية.
وفي سياق آخر، ساهم تغير المناخ في تفشي الأمراض وأوبئة الحُميات (الملاريا والشيكونجونيا)، حيث عانى قرابة 73.1% من النازحين داخليا من أوبئة الحُميات، والكوليرا والإسهال، نتيجة المستنقعات الناتجة عن مياه الأمطار والفيضانات وتلوث مياه الصرف الصحي. توفر مياه الفيضانات الراكدة أرضا خصبة لتكاثر النواقل مثل البعوض. وتتفاقم هذه التحديات في ظل الافتقار إلى مرافق الرعاية الصحية الحكومية في هذه المحافظات، حيث تعرض العديد منها لأضرار جسيمة بسبب النزاع والظواهر الجوية القاسية.
الحرائق: تأثر حوالي 61.2% من النازحين داخليا، بحرائق المخيمات، باعتبارها مخاطر متكررة كبيرة ترتبط ارتباطا وثيقا بالعوامل المتعلقة بالظواهر المناخية. لاحظ فريق الدراسة زيادة في حوادث الحرائق داخل مخيمات النازحين وخصوصاً في محافظات مأرب وحجة والمهرة، مما أجبر النازحين على البحث عن ملاجئ أو مناطق بديلة.
تحدث هذه الحرائق بسبب ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف، أو بسبب الفيضانات أو العواصف أو الرياح العاتية أو الأعطال الكهربائية أو نتيجة ممارسات الطهي داخل الخيام باستخدام الحطب. وتتفاقم في الغالب بسبب غياب أدوات السلامة والوقاية من الحرائق (مثل طفايات الحريق، وبطانيات الحريق) في جميع مخيمات النازحين. على سبيل المثال: خلال الفترة بين يناير 2020 ويونيو 2024، شهدت مخيمات مأرب وقوع 636 حالة حريق في الخيام، مما أسفر عن مقتل 36 شخص. وإصابة 89 آخرين، بمن فيهم الأطفال والنساء.
التوترات الاجتماعية هي تأثير تراكمي رئيسي يتفاقم بسبب الأحداث المناخية المتطرفة التي تؤثر على مجتمعات النازحين في اليمن. أفاد حوالي 44.1% من النازحين المستجيبين، بزيادة التوترات الاجتماعية والتهديدات من المجتمع المضيف فيما يتعلق بقضايا الأراضي المرتبطة بمخيمات الايواء، والتي غالبا ما تكون في مواقع غير مملوكة للدولة، بل يملكها السكان المحليين.
وفي الوقت الراهن، يواجه 103 مخيماً من مخيمات النزوح في البلاد تهديدات بالإخلاء الفوري. فمع مرور عقد كامل من النزوح، أضطر مُلاك هذه الأراضي التي شيدت عليها المخيمات، بالمطالبة بأراضيهم لزراعتها أو استثمارها. حيث أن مواقع الايواء هذه استوطنت ذاتياً وشيدت غالبيتها بشكل عشوائي على أراض خصبة. فضلاً عن أن معظمها بلا عقود إيجار مكتوبة وموثقة بين الملاك والجهات الفاعلة. بالإضافة إلى ذلك، تنشأ التوترات من التنافس على الخدمات والموارد الشحيحة في المجتمعات المضيفة. ويتجلى ذلك بشكل خاص في المخيمات الواقعة في مأرب وحجة. مما يشكل تهديداً للنازحين، وتحدِ كبير للوحدة التنفيذية والجهات الفاعلة على حد سواء.
التكيف مع المناخ المتغير
أجبرت الصدمات المناخية التي شهدتها البلاد، غالبية الأسر النازحة إلى تبني استراتيجيات وتدابير غير قادرة على التكيف مع تغيرات الطقس والظواهر المناخية القاسية. بسبب عدم قدرتها على التعامل بمرونة أو الصمود أمام مخاطر المناخ.ةوبالرغم من أن النتائج الميدانية للدراسة، كشفت أن حوالي 74.7 % من النازحين المستجيبين في مأرب والمهرة وسقطرى وحجة، قاموا بتنفيذ إجراءات وتدابير للتكيف مع التغيرات المناخية. في مقابل 25.3 % من النازحين الذين لم يقوموا باتخاذ أي إجراءات أو تدابير للتكيف مع تلك الظروف.
غير أن الظواهر المناخية المتطرفة في محافظات مأرب وحجة والمهرة وسقطرى، دفعت أكثر من نصف النازحين إلى تبني إستراتيجيات تكيف غير متكيفة أصلاً مع المناخ المتغير. يتضح ذلك من خلال أن 62% من النازحين في تلك المناطق، قاموا بتغيير المأوى والنزوح أكثر من مرة، هرباً من الفيضانات والعواصف التي دمرت خيامهم.
وبينت النتائج، أن النزوح المناخي والانتقال المتكرر -والمستمر- كان بالنسبة لهؤلاء النازحين، بمثابة الوسيلة الوحيدة للنجاة من تهديدات الطقس وكوارث المناخ. وتظهر النتائج أن من بين هؤلاء النازحين (62%)، اضطرت نسبة 36% منهم إلى تغيير المأوى في إطار منطقة النزوح نفسها. في حين اضطر 26% الاخرين منهم النزوح إلى مناطق ومديريات أخرى أكثر أمناً. وقد اتخذوا قرار هذا النزوح الثانوي، كونهم كانوا يسكنون في مواقع تفتقر التخطيط للطوارئ. والتي تقع معظمها في مجرى السيول والفيضانات ومناطق الانهيارات الأرضية.
أما البعض الآخر من هذه المواقع جفت منها آبار المياه الصالحة للشرب، ودفعت النازحين للنزوح مجدداً، جراء الجفاف من ناحية. وتوقف السلطات والمنظمات الإنسانية عن تزويد هذه المخيمات بالمياه، وخصوصاً في مناطق متفرقة في مخيمات حجة. ولعل استمرار هذا الوضع، قد يزيد من تعميق أزمة النزوح المناخي، ويعمل على استدامتها في تلك المناطق.
ويبدو اللافت للاهتمام، أن نسبة 38% من النازحين داخلياً في المحافظات الأربع، اتخذوا قرارات متعمدة بالبقاء في مخيماتهم؛ ونجحوا بالفعل في اعتماد استراتيجيات للتكيف ونفذوا تدابير للصمود في وجه العواصف والأمطار والفيضانات والتهديدات المناخية الأخرى. أشارت النتائج أن 27% منهم قرروا التعاون مع مجتمعاتهم النازحة والمضيفة للتخفيف من مخاطر الفيضانات من خلال بناء حواجز وحواجز ترابية أمام المخيمات لردع مياه الفيضانات. بالإضافة إلى ذلك، اتخذوا زمام المبادرة لتثقيف زملائهم من سكان المخيم من خلال تطبيقات مثل WhatsApp وغيرها، ونشر المعرفة حول مخاطر الفيضانات والرياح والعواصف، بالإضافة إلى تقديم إرشادات حول تقنيات تركيب الخيام المحسنة.
في حين استخدم 7% آخرون من هؤلاء النازحين، تقنيات الطاقة البديلة في مخيماتهم كوسيلة للتكيف مع ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الحر من خلال استخدام مرواح للهواء في الخيام. علاوة على ذلك، أضطر 4% منهم إلى تغيير مهنهم وأعمالهم السابقة للتكيف مع سبل العيش التي فرضها المناخ المتغير وتحديداً في محافظة المهرة ومأرب وحجة.
وإزاء ذلك، ينبغي على الجهات الفاعلة الحكومية والمنظمات الأممية العاملة في اليمن، التركيز على التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه، كاستراتيجيات وسياسات رئيسية للاستجابة لتغير المناخ.
العوامل النظامية المساهمة في مفاقمة الصدمات المناخية في اليمن
تكشف نتائج الدراسة عن مجموعة من العوامل النظامية والمؤسسية التي تُسهم في تفاقم مخاطر المناخ التي تواجهها المجتمعات النازحة، بالإضافة إلى تزايد النزوح المناخي. تُوضح النتائج الميدانية أهم هذه العوامل، والتي تركزت 82% منها في غياب أنظمة الإنذار المُبكر لتنبيه المجتمعات المحلية من خطر الفيضانات والعواصف. علاوة على ذلك، لا تحتوي جميع مُخيمات الإيواء في اليمن على أنظمة إنذار مُبكر للحد من مخاطر الكوارث.
يلي ذلك مباشرةً ضعف الوعي الرسمي بنسبة 80% بشأن شدة تغير المناخ والاستعدادات اللازمة للتخفيف من آثاره. ويُعتبر غياب السياسات المُتعلقة بالبيئة والمناخ ثالث العوامل المُساهمة، بنسبة 75.5% في مفاقمة مخاطر المناخ.
علاوة على ذلك، كان غياب الحوكمة البيئية، وعدم كفاية القدرات المؤسسية، عوامل إضافية اسهمت في مفاقمة مخاطر المناخ بنسبة 75.1%. كما يُعدّ نقص الدعم الدولي المُقدّم لليمن في مواجهة تغيّر المناخ عاملاً رئيسياً أيضاً، حيث يُمثّل 74.7%.
الجدير بالذكر أن نقص تمويل الطوارئ المناخية المُدمج في الميزانيات الحكومية ومخصصات منظمات الإغاثة، إلى جانب انقسام السلطات المؤسسية والصراعات التنظيمية، يُمثّل 72.2% من العوامل المُساهمة في تفاقم الصدمات المناخية على هذه المجتمعات. بالإضافة إلى ذلك، يُعزى 69% من العوامل إلى محدودية الموارد المحلية المُتاحة للتصدي لتغيّر المناخ والتخفيف من آثاره. وأخيراً، يُمثّل ضعف التركيز على برامج بناء القدرات المحلية في مجال العمل المناخي والبيئي 59.2% من العوامل المُساهمة في تفاقم الصدمات المناخية على المجتمعات المحلية
كما سلطت نتائج الدراسة الضوء على ضعف عملية الاستجابة لحالة الطوارئ المناخية، مما يكشف عن أوجه قصور كبيرة لدى الجهات الفاعلة الرئيسية. وعلى وجه التحديد، أفاد 57% من النازحين داخليا بأن السلطات المحلية والمنظمات الإنسانية الدولية، نفذت تدخلات محدودة للتخفيف من مخاطر المناخ والتكيف معه.
علاوة على ذلك، أشار 43% من النازحين في المحافظات، إلى أنه لم يتم اتخاذ أي إجراءات ذات جدوى في مواقع النازحين داخليا لحمايتهم من الكوارث المناخية. كان الافتقار إلى تدخلات الحد من مخاطر المناخ واضحا بشكل خاص في محافظتي سقطرى والمهرة، حيث أفاد 67% من النازحين داخليا، يليهم 57% في حجة ونسبة 29% في مأرب.
في نهاية المطاف، يمكن القول أنه في ظل الافتقار إلى العمل المناخي وندرة استراتيجيات التكيف وسياسات التخفيف والمرونة، فإن تأثير تغير المناخ في اليمن، لن يقتصر على الوضع الحالي على النازحين داخليا؛ بل سيمتد إلى الأجيال المتعاقبة داخل كل مجتمع محلي، مما يديم دورات الضعف والنزوح المناخي ويزيد من تعميق الأزمة في البلاد.
التـوصـيـــــات
بناءً على النتائج، واستناداً إلى مخرجات مجموعات النقاش البؤرية، ونتائج المقابلات النوعية، وتوصيات المشاركين من كافة أصحاب المصلحة، توصي هذه الدراسة بالآتي:
أولاً: توصيات إلى الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وسلطاتها المحلية:
إلى رئاسة مجلس الوزراء:
- تعزيز آليات الحوكمة المتعددة المستويات، وفق نهج متكامل لإدارة المناخ، من خلال خطة يشارك فيها جميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك الفئات الأشد ضعفاً في المجتمعات المحلية المتضررة.
- دمج موضوع تغير المناخ وعواقبه الخطيرة المحتملة، في مناهج التعليم في المدارس الأساسية.
- حظر البناء في المناطق غير المخططة، بما في ذلك البناء بمناطق الوديان، ومجرى السيول والفيضانات، والمناطق المجاورة للسدود المائية، أو للكتل الصخرية والطينية غير المستقرة. استجابة لتغير المناخ، والحد من الكوارث.
- تقوية دور الهيئات المتخصصة في مجال الكوارث الطبيعية مثل: مصلحة الدفاع المدني، الأرصاد الجوية، والهيئة العامة لحماية البيئة، هيئة المساحة الجيولوجية ومركز رصد الزلزال، وجمعية الهلال الأحمر اليمني.
- دعم الجامعات ومراكز البحوث لتحسين الإنتاج المعرفي حول تغير المناخ، وحلول التكيف والمرونة المناخية.
إلى الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين (EXUIDPs):
- تحديث السياسة الوطنية لمعالجة النزوح الداخلي، بحيث تشمل توفير الحماية لمجتمعات الخطوط الأمامية من تأثير الكوارث الطبيعية وتغيرات المناخ؛
- إعداد خطة وطنية لمعالجة النزوح المناخي، تتضمن دمج مشاركة الفئات الأشد ضعفاُ (بما في ذلك النازحين الشباب، والنساء، والمهمشين، وذوي الاحتياجات الخاصة، والمجتمع المضيف) في اقتراح الحلول.
- وضع معايير لمخيمات النازحين داخلياً: التأكد من أن المخيمات ومواقع استضافة النازحين، تتوافق قدر الإمكان، مع مبادئ التخطيط القائم على الحماية، فيما يتعلق باختيار الموقع وتخطيطه وتوزيع المساعدات وتصميم الخدمات. وينبغي أن تشمل الاعتبارات البعد عن مناطق النزاعات المسلحة أو مصادر العنف الأخرى. وينبغي أن تكون بعيدة عن مجرى السيول أو السدود؛ وتخصيص مساحة كافية لكل أسرة؛ والوصول الآمن إلى الغذاء والماء والحطب؛ والخدمات، كالشرطة ومكتب إدارة المخيمات والاصحاح البيئي والمدرسة وأدوات السلامة والوقاية؛ وإنشاء مساحة صديقة للأطفال.
إلى وزارة الـمياه والبيئة (MWE):
- صياغة سياسات بيئية ومناخية تتضمن إجراءات تدعم تطبيق قانون حماية البيئة رقم (26) لسنة 1995. مع ضرورة تحديث برنامج العمل الوطني للتكيف (NAPA).
- التركيز على إدارة مخاطر المناخ في اليمن، وفقًا للسيناريوهات المحتملة للسنوات الخمس القادمة. بحيث يسهم في اتخاذ قرارات بناءً على بيانات المناخ ووضع خطط ملائمة للتخفيف من هذه المخاطر، والتكيف معها.
- تعزيز دور الهيئة العامة لحماية البيئة في العمل المناخي، وفي إعداد تقارير تقييم المخاطر لمناطق تجميع مياه الفيضانات، وخاصة تلك الواقعة بالقرب من المراكز السكانية.
- إلزام المنظمات الدولية والمحلية والشركات الصناعية، بالامتثال لمتطلبات قانون حماية البيئة، وقانون المياه، والاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه والبرنامج الاستثماري (NWSSIP)، عند تنفيذها لمشاريع المياه والاصحاح البيئي، والطاقة. بما يضمن الحفاظ على البيئة والموارد، والاستخدام المستدام.
- تحسين جودة البيانات والتقارير الوطنية، حول الغطاء النباتي في اليمن، بحيث تكون البيانات متبوعة برصد مناطق تراجع الغطاء النباتي، وتدهور الأراضي والتربة الخصبة، واقتراح حلول لمعالجة التدهور البيئي.
إلى السلطات المحلية في جميع المحافظات:
- التنسيق مع الجهات الفاعلة، من أجل إنشاء أنظمة الإنذار المُبكر من العواصف والفيضانات بحيث تشمل هذه الأنظمة كافة جميع مراكز ومديريات المحافظات.
- تكوين غرفة طوارئ مناخية في كل محافظة: تتمثل مهمة هذه الغرفة في جمع البيانات المناخية، وتحذيرات نشرات الأرصاد الجوية من الهيئات الوطنية، مع وضع خطة لمشاركة هذه التحذيرات مع السكان المحليين عبر وسائل الاتصال والاعلام (رسائل SMS، الراديو، التلفاز، ومنصات التواصل الاجتماعي) بما في ذلك مخيمات النزوح والإيواء في المحافظة.
- إعداد خطة طوارئ لإدارة الكوارث على المستوى المحلي بالتنسيق مع الجهات الفاعلة، وتحديد أولوية الاستجابة في أكبر مواقع إيواء النازحين المعرضة للفيضانات.
- بناء القدرات للفرق المحلية، في مجال الحد من مخاطر الكوارث؛ مع التركيز على إشراك قادة مجتمعات النزوح في التدريب على آلية الاستعداد المبكر للفيضانات (قبل وأثناء وبعد وقوعها) والتصدي لمخاطرها.
- الحد من ممارسات البناء العشوائي بشكل عام. ومنع إنشاء المخيمات على أية أراضي غير مملوكة للدولة، لتجنب النزاعات والتوترات الاجتماعية مستقبلاً.
- تعزيز أنشطة التشجير وغرس الأشجار في مواقع المحافظة بما في ذلك مواقع النزوح والمناطق المتصحرة.
ثانـيـــــاً: توصيات إلى المجتمع الدولي والـمانحين:
- تقديم الدعم الفني والتقني لوزارة المياه والبيئة، ودعم بناء القدرات في إعداد استراتيجية للحوكمة المناخية في اليمن، يشارك فيها جميع الأطراف ذات العلاقة بما في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً بالمجتمعات المتضررة من تغير المناخ.
- تزويد الأرصاد الجوية اليمنية بأدوات النمذجة التحليلية لتغيرات المناخ بغرض تمكينها من إعداد وتطوير سيناريوهات مناخية وطنية ومحلية، بالإضافة إلى التخطيط للمخاطر والكوارث.
- تقديم الدعم التقني للمؤسسات المختصة مثل (مصلحة الدفاع المدني، هيئة حماية البيئة، هيئة المساحة الجيولوجية، ومركز رصد الزلازل) بالمعدات والأدوات والأجهزة التقنية اللازمة، لتعزيز قدراتها على الحد من مخاطر الكوارث في المجتمعات المعرضة للخطر.
- الاستثمار في برامج التكيف التي تلبي احتياجات جميع القطاعات، ودعم المبادرات المجتمعية الإبداعية التي تقودها المجتمعات المحلية. بما يسهم في تخفيف الضعف المناخي في مجتمعات الخطوط الأمامية.
- الاستفادة من الشراكة القائمة مع الجهات الفاعلة لدعم توسيع نطاق أنظمة الإنذار المبكر الحالية، والتي تم تنفيذها في صنعاء وحضرموت. بحيث يشمل الدعم توسيع هذه الأنظمة في جميع المحافظات المتضررة، بالإضافة إلى مناطق التنوع البيولوجي والمحميات الطبيعية مثل سقطرى والمهرة.
ثالـثــــاً: توصيات إلى المنظمات الدولية ووكالات الأمم المتحدة
إلى مكتب المنسق المقيم (RC) والفريق القطري للأمم المتحدة (UNCT)
- اعتماد خطط لطوارئ المناخ، والحد من مخاطر الكوارث، في جميع مخيمات النازحين داخليًا في اليمن.
- دعم الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين، في قضية المخيمات المهددة بالإخلاء القسري العاجل، وضمان سلامة النازحين المقيمين فيها.
- حث المنظمات وشركاء العمل الإنساني في اليمن على تطبيق المعايير البيئية والاجتماعية ومعايير الحوكمة للحد من المخاطر البيئية والاجتماعية التي قد تنجم عن مشاريعهم، مع السعي إلى وضع مؤشرات قابلة للقياس على أساس سنوي؛ بما يضمن الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية من جهة، والحفاظ على سمعة هذه المنظمات وقبولها الاجتماعي من جهة أخرى.
- تعزيز نهج العدالة المناخية، وحوكمة المخاطر والتوترات الاجتماعية الناجمة عن النزاع والنزوح المناخي، والتي قد تؤدي إلى تهيئة ظروف تزداد فيها احتمالات حدوث تدهور بيئي واسع قد يزعزع الاستقرار في المجتمعات.
إلى برنامج الأمم المتحدة الانمائي (UNDP)
- توسيع الدعم لبرنامج النقد مقابل العمل، وتحسين سبل العيش للنازحين في المناطق المتضررة، بما يضمن تقليل أوجه عدم المساواة، وإيجاد فرص عمل عادلة للأسر النازحة، تسهم في التخفيف من التأثيرات غير المتكافئة لتغير المناخ على الفئات الاشد ضعفاً. وتعزز التكيف مع تغير المناخ.
- توجيه جزء من الدعم نحو الحلول المبتكرة والمبادرات الإبداعية في العمل المناخي، بما يعزز التكيف والقدرة على الصمود لمجتمعات الخطوط الأمامية بما في ذلك النازحين والنساء والمهمشين وذوي الإعاقة والمجتمع المضيف.
- دعم برامج التدريب وبناء القدرات في مجال العمل المناخي، لمنظمات المجتمع المدني والمؤسسات والشركات الصغيرة والمتوسطة، ومؤسسات التمويل الأصغر، والمبادرات المجتمعية، بما يعزز القدرة على الصمود والتكيف والمرونة.
إلى المنظمة الدولية للهجرة (IOM)
- وضع خطة طوارئ مناخية لمواقع النزوح الداخلي، وتعميمها على جميع مواقع إيواء النازحين التابعة لمجموعة تنسيق المخيمات؛ بما في ذلك المواقع التي تديرها المنظمة الدولية للهجرة في اليمن.
- تزويد مخيمات النزوح بأنظمة الإنذار المبكر، والمعدات الأولية لمكافحة الحرائق، وخصوصاً المخيمات الأكثر كثافة سكانية، بما في ذلك المواقع التي تديرها المنظمة الدولية للهجرة.
- توفير أنظمة تصريف مياه الأمطار في المخيمات. مع تأمينها بمياه الشرب، وخدمات الاصحاح البيئي
إلى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)
- إيجاد آلية تنسيق موحدة بين وكالات الأمم المتحدة، والوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين داخليًا، والسلطات المحلية، لمعالجة فجوة البيانات المتعلقة بالنزوح الناجم عن تغير المناخ والاحتياجات الإنسانية. وضمان أن البيانات المجمعة شاملة وعادلة، بحيث تغطي الظاهرة وآثارها والحلول المقترحة.
- تحسين تقديرات أعداد النازحين داخليًا جراء تغير المناخ في اليمن. ينبغي أن تكون البيانات أكثر شفافية وشمولًا وتفصيلًا فيما يتعلق بأنماط ودوافع النزوح الداخلي الناجم عن تغير المناخ.
- إشراك أصحاب المصلحة الرئيسيين: النازحين داخلياً بما في ذلك النساء والمهمشين وذوي الإعاقة والمجتمع المضيف، شكل أوسع، في عملية تقييم ورصد الاحتياجات، ومشاركة البيانات معهم، وإشراكهم في الحلول لتحدياتهم التي يعرفونها جيداً. وإيجاد الحلول لاحتياجاتهم بما يعزز من فاعلية الاستجابة.
المنهجية:
أعتمد البحث على المنهج الوصفي والتحليلي، من خلال استخدام استبيان، كأداة رئيسية لجمع البيانات. إلى جانب إجراء عدد من المقابلات النوعية، ومجموعات النقاش المركزة. وتم توزيع الاستبانة على عينة عشوائية مفردة مكونة من 310 من النازحين في 26 موقعاً من مخيمات النزوح، داخل أربع محافظات: مأرب، وحجة والمهرة وسقطرى. وتم تلقي 245 استبانة صالحة ومكتملة. فضلاَ عن إجراء 20 من المقابلات النوعية، وعدد 5 جلسات نقاشية بمشاركة 73 مشاركاً (ذكور/إناث) من أصحاب المصلحة. وقد بلغ اجمالي المستجيبين مع كافة أدوات الدراسة (الاستبانة والمقابلات ومجموعات النقاش) 302 شخص. تم تحليل البيانات باستخدام برنامج الحزمة الإحصائية SPSS. وتم تفسير البيانات، والوصول لعدد من النتائج الهامة.
المؤلفون: محمد الحكيمي، أماني محمد، ومها الصالحي.
الناشر: حلم أخضر للدراسات والاستشارات البيئية
لغة الاصدار: العربية ، English.
التمويل: أُجريت هذه الدراسة بتمويل من وزارة الخارجية الاتحادية السويسرية (FDFA) من خلال سفارة سويسرا في عُمان.
الملفات المتاحة للتنزيل: الملخص التنفيذي (15 صفحة). نسخة الدراسة كاملة (115 صفحة)
حلم أخضر للدراسات والاستشارات البيئية (HAESC):مؤسسة استشارات وأبحاث بيئية، تسعى إلى إحداث تأثير إيجابي في السياسات البيئية والمناخية. وتعزيز الوعي والمعرفة بالمسؤولية البيئية والاجتماعية والحوكمة، من خلال العمل مع كافة أصحاب المصلحة. وتكريس الفهم المشترك للتحديات البيئية والمناخية في اليمن.