22 فبراير/شباط 2025

عدن (وحدة التقارير حلم أخضر للدراسات البيئية) – لليمن تاريخ طويل من النشاط الزلزالي والبركاني المرتبط بموقعه في جنوب غرب شبه الجزيرة العربية وشرق إفريقيا. وقربه من المنطقة الزلزالية النشطة في البحر الأحمر وخليج عدن.[1]

تعد الزلازل أحد أكثر المخاطر الطبيعية المدمرة على مر التاريخ، حيث تتسبب بوقوع خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، كما تتسبب الزلازل بنزوح واسع للسكان.[2]

وعادة ما يحدث الدمار الذي تخلفه الزلازل، نتيجة لانهيار المباني، ويتفاقم بسبب الانهيارات الأرضية والفيضانات العاتية، أو جراء الموجات العالية لمياه البحر من قاع المحيط (تسونامي)، إلى جانب الحرائق الناجمة عن الزلازل.[3]

وفي خضم مخاطر الزلازل والهزات الأرضية النشطة التي تتعرض لها بلدان الشرق الأوسط وشمال افريقيا، يبدو اليمن غير قادر على رصد البيانات الزلزالية كما كان في السابق، جراء فقدانه مرافق ومحطات رصد الزلازل التي دمرتها الحرب.

يقع اليمن مُطلاً على خط دائم للزلازل، وهو يشهد هزات زلزالية شبه يومية، لكن هذه الهزات تظل دون مستوى الإحساس بها، ولا يشعر بها السكان. [4] ويشير التقرير الوطني حول النشاط الزلزالي، أن موقع اليمن بالمنطقة يطل على صفيحتين من الصفائح السبع لتصدع قشرة الأرض. تقع الأولى في البحر الأحمر، في حين تقع الصفيحة الثانية في حليج عدن بالبحر العربي، ما يجعله مهدداً بالزلازل في حال حدوث تصاعد لنشاط الغازات في عمق البحرين الأحمر والعربي.[5]

وتعد مناطق الاصطدام بين الصفائح العربية والأوراسية (Eurasian)، السبب الرئيسي لوقوع الزلازل في اليمن. ويشير التاريخ الزلزالي لليمن إلى حدوث زلازل كبيرة بفترات تكرار تتراوح بين 20 إلى 30 سنة.[6] 

” تشهد منطقة ذمار، أكبر خطر زلزالي متوقع في اليمن، وذلك وفقاً لخرائط المخاطر الزلزالية والنشاط الـزلـزالي العالي داخل المنطقة“ (الربيدي وآخرون، 2021)

الأحداث الزلزالية في اليمن

تشير سجلات التاريخ الزلزالي في الیمن، والذي بدأ توثيقه بزلزال صحراء سبأ في مدينة مأرب في العام 742 ميلادية، إلى أن البلاد شمالاً وجنوباً شهدت حوالي 26 من الاحداث الزلزالية القديمة الكبرى، والتي أدت لوقوع أعداد كبيرة من الضحايا والدمار.[7]

وبحسب التقرير الوطني للنشاط الزلزالي، يلاحظ أن النشاط الزلزالي في الیمن لا يحدث بشكل عشوائي، وإنما يكون مرتبط بمناطق التصدع الرئيسية عند حدود الصفائح أو الصدوع الثانوية داخل تلك الصفائح التكتونية أو مناطق الحقول البركانية النشطة.

خلال العقود الأخيرة، شهد اليمن أحداثاً زلزالية مدمرة. ويعد زلزال ذمار الذي شهدته البلاد في العام 1982، أحد أكبر الحوادث الزلزالية في منطقة شبة الجزيرة العربية، حيث خلف أكثر من 2,500 قتیل، وإصابة 1500 شخص. وتسبب في تشريد 500,000 شخص. وقد أدى زلزال ذمار لتدمير حوالي 300 قرية ريفية. وأضرار ضخمة شملت تدمير أكثر من 12 ألف مسكن، وعدد كبير من المرافق والخدمات.[8]

كما يعد زلزال صعدة في سنة 1941، من أقوى الزلازل التي ضربت الیمن في العصر الحديث، حيث خلف هذا الزلزال حوالي 1200 قتیل، ودمر حوالي 1700 منزلاً. وقد استمر تردد الهزات قرابة ثلاثة أشهر. إلى ذلك، يعتبر الزلزال الذي ضرب مديرية “العدین” في محافظة إب وسط البلاد، العام 1991، أحد الكوارث التي الحقت أضرار كبيرة في جبل بحري ومنطقة حزم العدين، وبلغت عدد الوفيات 12 شخص، وأصيب أكثر من 30 شخص.[9] وتضررت حوالي 7150 منزلاً، وتهدمت منها 1578 منزلاً.[10]

وفقاً للمركز الوطني للمعلومات، تتأثر الأراضي الیمنية بنوعين اثنين من الزلازل: النوع الأول: الزلازل التكتونية لكونها تقع في منطقة شديدة التعقيد التكتوني بين أنظمة صدوع البحر الأحمر وخليج عدن وعلى حافة الصفيحة العربية (الدرع العربي) والمتأثرة بحركات تكتونية عبر الأنظمة الموازية والمتعامدة لكل من البحر الأحمر وخليج عدن.

أما النوع الثاني من الزلازل التي تتأثر بها اليمن هو: الزلازل البركانية، نظراً لتواجد الانتشار الصخري البركاني والمتمثلة بصخور بركانيات حقب العصر الثلاثي (الترياسي) المغطاة لمناطق كبیرة، وكذلك بركانيات الحقب الرباعي (العصر الحديث).[11]

مركز رصد الزلازل في ذمار بعد تعرضه للتدمير في مايو 2015/ الصورة: شبكات التواصل

مركز رصد ودراسة الزلازل

في العام 1991، أنشئ اليمن مركزاً وطنياً لرصد الزلازل (NSOC)، وفي العام 2006 تم تغيير اسمه إلى مركز رصد ودراسة الزلازل.[12] وقد تم بناؤه في جبل (هران) بمحافظة ذمار الواقعة جنوب صنعاء. وهو من بين أقدم مراكز رصد الزلازل بالمنطقة.

كان هذا المركز، يقوم برصد وحفظ البيانات الزلزالية عبر 18 محطة فرعية ذات تحسس عالي (MARS_88)، وشبكة رقمية لرصد الحركات الأرضية القوية (SSA-2) مكونة من 17 محطة رقمية للرصد الزلزالي والإبلاغ موزعة في المحافظات. وكان المركز يعمل بنظام متكامل لإدارة ومراقبة وتتبع أنشطة الزلازل والبراكين في البلاد، فضلاً عن تقييمه للمخاطر المحتملة في المناطق اليمنية، ووضع الخطط والإجراءات الوقائية. ومع اندلاع الحرب في البلاد، تعرض مبنى مركز رصد الزلازل في ذمار، للتدمير الكلي في 21 أيار/مايو 2015، جراء القصف الجوي، مما تسبب في فقدان كافة البيانات الزلزالية.

”التدمير الذي لحق بمركز رصد الزلازل، أفقد اليمن القدرة على رصد وتسجيل الهزات الزلزالية، جراء توقف شبكات الرصد الزلزالي عن العمل. وقد أعاق ذلك إمكانية الحصول على الكود الزلزالي منذ العام 2015، نتيجة الانقطاع التام للبيانات الزلزالية. وعدم تمكن المركز من تسجيل الهزات الأرضية الخفيفة في البلاد“.[13] ونتيجة لذلك، أصبحت وظيفة مركز الزلازل، تقتصر على مراقبة النشاط الزلزالي اعتماداً على متابعة بيانات المحطات الدولية فقط.

في العام الماضي، أعادت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً تفعيل نشاط مركز رصد الزلازل، وأنشأت هيئة المساحة الجيولوجية في العاصمة المؤقتة عدن، المركز الوطني لرصد ودراسة الزلازل بالاعتماد على محطات الرصد المتبقية، والسجلات الزلزالية المحفوظة. بالإضافة إلى البيانات التي يحصل عليها المركز الوطني لرصد ودراسة الزلازل، من مراكز عالمية تربطها علاقة تعاون في مجال الرصد والدراسات الزلزالية. إلا أن هذا المركز ما زال بحاجة إلى الدعم، وبحاجة إلى إعادة بناء كافة محطات الرصد الزلزالي التي دمرتها الحرب.

الخريطة (1): أقصى حركة أرضية للزلزال في اليمن تبلغ 1 ثانية من تسارع الاستجابة الطيفية. المصدر: (الربيدي، وآخرون، 2021)

المخاطر الزلزالية الراهنة

في العام 2021، أشارت دراسة محلية إلى أنه تم العثور على أعلى خطر زلزالي متوقع في مدينة ذمار. وهو ما اظهرته نتائج وتقييم المخاطر الزلزالية الاحتمالية في اليمن. [14] (انظر الخريطة 1) وخلصت تلك الدراسة إلى أن منطقة ذمار، تشهد أكبر خطر زلزالي في اليمن، وفقا لخرائط المخاطر الزلزالية والنشاط الزلزالي العالي داخل المنطقة.

أما المنطقة النشطة الثانية فهي منطقة صنعاء والمناطق الشمالية المحيطة بها. وفي الجزء الجنوبي من اليمن، تم رصد نشاط زلزالي معتدل بالقرب من عدن. كما شهدت بعض المناطق نشاطا زلزاليا مماثلا نسبيا لمحيطها، مثل السواحل الغربية والجنوبية لليمن، ومنطقة أبين، تعز، الضالع، ولحج. في حين تتميز قيم التسارع في جميع أنحاء الصحراء الشرقية، شبوة وسيئون والمهرة، بالنشاط الزلزالي المنخفض للغاية. [15]

اليوم، يتطلب الأمر من الحكومة والمانحين والمنظمات الدولية والانمائية، تقوية ودعم عمل مركز رصد الزلازل في عدن، كي لا يظل اليمن أعزل في مواجهة الكوارث او الهزات الأرضية المفاجئة، جراء تضرر المحطات الزلزالية المحلية. وكي لا تظل البلاد في حالة من عدم اليقين من المخاطر الزلزالية المفاجئة.

الحواشي والمراجع:

[1]  M. Alrubaidi et al. (2021). Assessment of seismic hazards in Yemen. Retrieved from Heliyon journal: https://www.cell.com/action/showPdf?pii=S2405-8440%2821%2902623-2

[2]  ibid.

[3]  ibid, 2021.

[4]  هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية، ”خبراء جيولوجيون يحسمون جدل خطر زلزال تركيا على اليمن“ (2013). https://www.gsmr-aden.org/site/3013/

[5]  المركز الوطني للمعلومات، (2009)، “التقرير الوطني حول النشاط الزلزالي في اليمن”، صنعاء، ص 3. وثيقة تم الاطلاع عليها في أذار/مارس 2024.

[6]  World Bank, (2010), Yemen National Probabilistic Risk Assessment. Retrieved from: https://www.geonode-gfdrrlab.org/documents/681/link

[7]  التقرير الوطني حول النشاط الزلزالي في اليمن، مرجع سابق، ص 8.

[8]  ibid, p.21.

[9]  المركز الوطني للمعلومات، “التقرير الوطني النشاط الزلزالي في اليمن”، ص 10. وثيقة تم الاطلاع عليها بتاريخ 07 ديسمبر 2024.

[10]  World Bank, (2010), Yemen National Probabilistic Risk Assessment. Ibid, p.28.

[11]  التقرير الوطني للنشاط الزلزالي، مرجع سابق.

[12]  المركز الوطني للمعلومات، القرار الجمهوري رقم (65) لسنة 2006، بإنشاء مركز رصد ودراسة الزلازل، 12 مايو/أيار 2006. http://yemen-nic.info/news/detail.php?ID=9275&print=Y

[13]  مقابلة مع أحد الموظفين الفنيين في مركز رصد ودراسة الزلازل، بتاريخ 13 أيلول/سبتمبر 2023.

[14]  Alrubaidi M. et al. (2021), Assessment of seismic hazards in Yemen, https://www.cell.com/action/showPdf?pii=S2405-8440%2821%2902623-2

[15]  ibid.

التعليقات معطلة.